الصفحة الرئيسية  رياضة

رياضة كرة آخر زمان.. مشانق للحكّام وجامعة في خبر كان !

نشر في  22 جانفي 2014  (11:33)

رغم المآخذ العديدة التي يمكن توجيهها إلى قطاع التحكيم في بلادنا الذي يعيش أزمة حقيقية منذ عدة سنوات، فإننا نشعر مقابل ذلك بالحسرة على غياب التحكيم التونسي عن نهائيات كأس العالم لكرة القدم التي ستحتضنها البرازيل في الصائفة القادمة. نشعر بالحسرة لأننا كنا نمنّي النفس بمشاهدة العلم التونسي يرفرف في البرازيل ولو كان ذلك من خلال التحكيم بعد أن فشل المنتخب للمرة الثانية على التوالي في اقتلاع ورقة التأهل والحضور في أكبر تظاهرة كروية عالمية. كنا نمنّي النفس بتمثيل تحكيمي تونسي لأننا على اقتناع بأنه كان بالإمكان أن يكون لدينا من يمثلنا في «المونديال» رغم مشاكل هذا السلك وما يعانيه من إهمال وقلّة اهتمام. كنت أودّ وأتمنّى لو حرصت الجامعة التونسية لكرة القدم على تجاوز بعض الإشكاليات والخلافات و»الفرقعات الإعلامية» التي كان أطرافها بعض الحكام، وفكّرت في مصلحة الكرة التونسية قبل محاولة لعب دور البطولة لإظهار سلطة كاذبة وممارسة نفوذ زائف على حُكّام كانوا ينتظرون دعمها، وذلك بتسليط عقوبات ارتجالية عليهم في غياب مبررات منطقية ودون حجج وبراهين دامغة، واضحة، ساطعة... كنت أتمنّى لو مارست الجامعة سلطتها في قضايا الرشوة والبيع والشراء التي تنخر جسم الكرة التونسية والتي بات يعرفها القاصي والدّاني بعد أن شغلت الرّأي العام الرياضي دون أن نسمع قرارات ودون أن نشاهد إجراءات ردعية صارمة تجاه المذنبين.. كان عليها أن تعطي الأولوية القصوى لمثل هذه الملفات عوض حرمان حكم من المونديال بسبب وشاية لم يقع التأكد من صحّتها ( البشير الحسّاني نموذجا) أو إقصاء حكم آخر من القائمة الدولية (مكرم اللقّام نموذجا) بناء على اختيارات ومقاييس غير موضوعية.. وهنا أتساءل بكل براءة وعفوية : لماذا لا تظهر قوّة الجامعة وشجاعتها سوى أمام الضعفاء أو أمام الأشخاص الذين ليست لديهم جماهير تقف وراءهم لتساندهم وتحميهم من العقوبات وهو ما ينطبق على الحكام؟! كنت أتمنى لو كان أحد أهداف الجامعة الذي خطّطت له، هو تأهيل طاقم تحكيم تونسي للمونديال بالتوازي مع الهدف الذي رسمته أو -على الأقل وحرصت على تحقيقه- والمتمثل في تأهل المنتخب التونسي لكأس العالم.. كنت أتمنى لو خصّصت الإمكانات المادية والمعنوية والفنية والبسيكولوجية لتأهيل وإعداد الحكام لهذه التظاهرة، لأن ذلك سيعطي إنطباعا على أن الجامعة اجتهدت وبرمجت ونجحت في تحقيق ولو هدف من أهدافها في علاقة الكرة التونسية بالمونديال. كنت أودّ لو ترفّعت جامعتنا عن بعض الممارسات والتصرّفات التي تدخل في باب «الصبيانية» ولا تنزل إلى هذا المستوى وردّ الفعل العنيف والمتسرّع الذي دفعت الكرة التونسية ضريبته. فالجامعة التي تطالب الحكّام بالعدل مطالبة بأن تكون بدورها - وقبل غيرها- عادلة معهم وفيما بينهم. ونحن وإن كنا لا ننكر وجود حكام لا يستحقون الإنتماء إلى هذا السلك وقد أساؤوا إليه فعلا بوجودهم فيه، وإن كنا نقرّ أيضا بوجود حكام منحازين وربما مرتشين، فإننا لا يمكن في المقابل أن نتجاهل وجود حكّام ممتازين مُتميّزين صارمين يستحقّون مكانة أفضل واهتماما أكبر ومعاملة أحسن من تلك التي يلقونها من الجامعة ومن الأطراف المحيطة بهم في عالم كرة القدم. إن إصدار حُكْم بالفساد على قطاع كامل بسبب حكم فاسد أو حكم مُرتشٍ هو بمثابة الحكم على مجتمع كامل بالفساد والرشوة، وللأمانة فإنّ تحكيمنا في مستوى كرتنا ولاعبينا ومسيّرينا وقد يكون أحيانا أحسن منهم حالا طالما أنّه يسعى إلى أن يتطوّر ويتحسّن بفضل عزيمة عدد لا بأس به من المنتمين إليه الذين يحلمون بتحقيق أهداف شخصية مثل الإلتحاق بالقائمة الدولية أو المشاركة في نهائيات كأس العالم أو حتى كأس الأمم الإفريقية، لكن قد تخونهم المنظومة الكروية وتحول دونهم وتحقيق أحلامهم المشروعة. إن الجامعة مطالبة بتحسين علاقتها مع حكامها والوقوف إلى جانبهم وتشجيعهم وتحفيزهم ورعايتهم، وبالخصوص حمايتهم من بطش النوادي وجبروتها وإغراءاتها ونفوذ بعضها، وحمايتهم أيضاً من الأخطار والتهديدات التي تلاحقهم من جماهير متعصّبة ومن متطرّفين رياضيين خارجين عن القانون. في المقابل على كل مسير يتذمّر من الحكام ويتهجّم عليهم وينعتهم بأبشع الأوصاف والنّعوت بسبب هفوة تقديرية أو مخالفة غير معلنة أو ضربة جزاء تراءت له غير صحيحة أن يتذكّر أن للحكام عائلات ومشاعر لا بد من احترامها والوقوف عند حدودها.. وعليه أن يستحضر كيف استفاد فريقه من هفوات تحكيمية قبل أسبوع أو أسبوعين، ويدرك أن هفوات التحكيم لن تنتهي وهي التي تحصل في أقوى البطولات والمقابلات في العالم وليس فقط في بطولة «الفقر والتّعاسة والميزيريا»، بطولة تدور مبارياتها في ملاعب لا تصلح حتّى لسباقات الخيول. ولئن كانت معاتبة الحكّام وانتقادهم وتقييم أدائهم أمرا طبيعيا يحصل في مختلف بطولات وأصقاع العالم، خصوصا أن الحكم بشر يُخطئ ويُصيب وهو بالتالي مُعرّض للنقد من الجمهور والإعلام والرياضيين، وللمُساءلة من قبل القائمين على تسيير شؤون القطاع ودواليبه، فإن ذلك لا يمكن أن يكون بطريقة تخدش الحياء وتهتك الأعراض، أو بأسلوب تكاد تُنصب فيه المشانق لبعض الحكام بتعلّة أخطاء ارتكبوها.. وهنا تدخل ثقافة الربح والخسارة التي مازلنا بعيدين عنها ومازالت بعيدة عن عقلياتنا وتعصّبنا الأعمى، هذا التعصّب الذي يظهر لنا الحكم في صورة الشيطان أو العدوّ إذا مانهزم الفريق الذي نحبه على يديه، فنتغاضى عن هفوات وإخفاقات اللاعبين ونتناسى تقاعس وتقصير المسيرين ونتجاهل سوء اختيارات وأخطاء المدرّبين، ونحمّل مسؤولية الهزيمة في أغلب الأحيان والأحوال إلى الحكام أو من يطلق عليهم بـ «شمّاعة الفشل» التي تلجأ إليها النوادي لتبرير عجزها وفشلها وإخفاقها. ولعلّ ما يثير الدهشة والإستغراب في بلادنا أن كل نوادينا تريد الفوز وبالتالي ترفض الهزيمة وإن كانت مستحقّة، ومن هنا خرجت علينا اسطوانة «المُؤامرة» التي باتت ترافق التصريحات النارية للمسيّرين وحتى لبعض المدرّبين عند كلّ هزيمة، والدليل أننا لا نسمع مسيّرا أو مدرّبا انهزم فريقه في مباراة يهنئ الفريق المنافس ويتحمّل فيه مسؤولية الخسارة أو يُحمّلها -على الأقل- للاعبيه. وقد شاهدنا واستمعنا إلى تصريحات كبار اللاعبين والمدرّبين في العالم وفي أعقاب مقابلات هامة ومصيرية رهانها ملايين الدولارات، فإذا بهم يباركون للمنافس انتصاره ويعترفون بالفشل أو التقصير أو سوء الحظ دون أن يتطرّقوا إلى الحكم رغم الأخطاء التي قد يكون ارتكبها، لا لشيء سوى لاقتناعهم بأن أخطاء الحكم من قانون اللعبة، ومهما تعدّدت فإنّها لا تُضاهي ولا ترتقي لإهدار لاعب لضربة جزاء أو لهدف أمام شباك خالية أو لفرصة تهديف واضحة. لأجل كلّ ذلك لا بدّ أن نعيد الإعتبار لحكّامنا ونأخذ بأيديهم، نشجّع الصالح النّزيه، ونُرجع إلى الجادّة من تتوفر لديه شروط التدارك، ونُقصي كلّ من تثبت إدانته أو رشوته أو انحيازه بشكل مفضوح ومقصود لهذا الفريق أو ذاك. كما أن الجامعة مطالبة قبل غيرها وأكثر من أيّ وقت مضى بحماية حكّامها ومساندتهم بما من شأنه أن يساعدهم على تطبيق القوانين بحزم وصرامة على الكبير قبل الصّغير، حتّى نَقضي على معضلة التودّد للنوادي الكبرى التي ينتهجها بعض الحكّام بعد أن اقتنعوا أن هذه الجمعيات قادرة على حمايتهم وضمان حضور صفّاراتهم ومواصلة تعيينهم بحكم نفوذها وتأثير مسؤوليها على الهياكل الرياضية والقائمين عليها، وفي ما عدا ذلك «لن يستقيم الظلّ والعُود أعوجُ»...

بقلم: عادل بوهلال